كان هذا العنوان اخترته لمقال رياضي يتناول فوز الفيصلي على الوحدات في دوري المحترفين لكرة القدم، وأن النتيجة رغم أهميتها للفريق الفائز وجمهوره، إلا أن اللقب أمام الفرق المتنافسة، ما يزال إلى أجل مسمى.
استدارتي بالمقال الى وجهة غير رياضية، هي أنني تذكرت قبل أكثر من عقدين حفل تخرّج فوج لطلبة الجامعة الاردنية، وفيه:
قامت سيّدة مسنّة "تهاهي" بصوت متقطع، اتبعته بـ"زغرودة" ما لفت أنظار الحضور القريب منها، وقد فهمنا أنها تعبّر عن سعادتها الغامرة بتخرجّ طالب قد يكون ابنها أو حفيدها.
ولأن " الحَجّة" بالغت بالفرح، خاطبها رجل من المحتفلين بتلك المناسبة: "مبروك يا حجة.. بس أجلّي الفرح والزغاريد، بعد العرس، لمّا يلقى الشّب وظيفة"!.
لا نريد أن نفسد على الناس أفراحهم، بل هي أفراحنا جميعاً، وكذلك أتراحنا، فنحن في بلد تربطنا علاقة الدم، التي تحوّل جزء منها الى الذم، بكل أسف. صار الدم يراق في الطرقات، جراء احتفالاتنا، والذم في كل حين..في جلساتنا وندواتنا وحواراتنا، وعلى " الفيسبوك" أكثر.
أما الاحتفالات، سواء في مناسبات الأعراس، أو التخرّج، وحتى تقلّد المناصب، والفوز بالانتخابات النيابية والنقابية، وغيرها، فقد خرجت عن شعور الفرح، لتكون تهديداً لأرواح الناس، وعدم احترام مشاعر وحريات وظروف الآخرين.
ماذا يعني استباحة الشوارع والطرقات والمباني السكنية، وتعطيل الناس في قضاء حوائجهم وفي أعمالهم؟!
ماذا يعني هذا الضجيج، وسفح الشعارات والعبارات الـ "أنا وحِنّا " وووو، وكل الأهازيج المنفّرة، حتى أحضرناها عند بوابات المطار ؟!.
كانت مناسبات أفراحنا، وعلى بساطتها، وهدوئها، تبعث السرور النقي، لأنها مستمدة من عاداتنا وتقاليدنا السمحة، وليست دخيلة بفوضويتها الغنائية ومظاهرها الشكلية والحركية، وغريزة الاستعلاء والتحدي والاستخفاف، دون مراعاة ظروف الناس، وحتى في عزائهم!.
قبل أيام قليلة، حضرنا، زملاء المهنة مناسبة تخرّج نجل زميل لنا في طبربور، وقد سعدنا، والزميل يقتصر الدعوة على عدد معدود، ويقتصر الحفل في مكان لا يغلق الشارع.
على النقيض من هذا، وقد تزامن موعد هذه المناسبة مع مناسبة مماثلة- التخرج-، كاد فيها المحتفلون يتسببون بكارثة، لا تقل فداحة عما يحدث في أعراسنا ومناسباتنا التي ينقلب فيها الفرح الى عزاء، جراء تهور وطيش في قيادة المركبات، وخروج من فيها وهم يعتلون الشبابيك، ويطلّون من سقوفها، ويستعرضون بحركات "الميوعة"، والتلفظ بالكلمات المعيبة والغناء الهابط، والتشحيط، ترافقها مكبرات الصوت وأصوات تضخيم المحركات.
الغريب أن هناك من يتعامى عن مثل هذه الفوضى وما تسببه من مخاطر، ويصّم أُذنيه، ليقول: "خلّوا الناس تفرح"!.